مهمَّة للغايةِ التجربة النقديَّة والأدبيَّة والحداثيَّة للدكتور سعد البازعي منذُ بدايتها منتصف الثمانينيَّات وحتَّى يومنا هذا، وكل الكتبِ والبحوثِ والترجماتِ التي قدَّمها سعد البازعي كانت ذات طابعٍ مميَّزٍ، وذلك لأنَّ صاحبها قد اعتادَ أنْ يكون متميزًا في كلِّ شيءٍ، وهو الأديبُ والناقدُ والمثقفُ المتمكنُ من أدواتهِ النقديَّة، يمسكُ بخيوطِ المسألةِ غير آبهٍ بصعوبتهَا حتَّى يجدَ لهَا الحلَّ، وهذه هي طريقتهُ مع كلِّ المعضلاتِ التي تقفُ أمامَه، فهو قد اعتادَ على الصعابِ والتحدِّي منذ بدايةِ اختيارهِ للغةِ الإنجليزيَّةِ في جامعةِ الملكِ سعود حقلًا علميًّا وحتَّى حصوله على الدكتوراةِ في الأدبِ المقارنِ من جامعةِ بوردو في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيَّةِ.

كلُّ هذه العقباتِ كانت كفيلةً بأنْ تفتَّ في عزمِ د. سعد البازعي، ولكنَّ العكسَ كانَ صحيحًا، فلم تزدهُ إلَّا قوةً وصلابةً، فقرَّر الطالبُ الشابُّ أنْ يصبحَ أديبًا وناقدًا، لا وبل أصبحَ صاحبَ رؤيةٍ نقديَّة نستطيعُ أنْ نقولَ خاصَّة بهِ، تجمع في طياتهَا بينَ الأصالةِ والمعاصرةِ، بين التفكيرِ الحرِّ، وعدم المساسِ بالنصِّ، وكلها قد اجتمعتْ في عقلية سعد البازعي، فدوَّن العديدَ من المؤلَّفاتِ التي تناولَ فيها قصَّة الحداثةِ في بلدٍ محافظٍ مثل المملكةِ العربيَّة السعوديَّة منذ بدايةِ ظهورِ التعليمِ والصحافةِ وحتَّى يومنا هذَا.

على الرغمِ من أنَّ هناك العديدَ من المفكِّرين يعتبرُون المملكةَ بلدَ الإسلامِ الأول الذي يجبُ أنْ يبقَى بعيدًا عن مظاهرِ الحداثةِ، أو لنقول بعضهَا التي تمسُّ الدِّينَ فإنَّ د. سعد البازعي لم يتردَّد بأنْ يكتبَ في هذا الحقلِ، ويروي قصَّةَ الحداثةِ كما لو كانتْ روايةً في كتابِ (ثقافة الصحراء) الذي منحهُ وقتًا وجهدًا حتَّى يظهرَ للنَّاسِ كما قال منشغلًا بذلكَ عن العديدِ من الأبحاثِ العلميَّةِ في الجامعةِ، وبالرغم من اعتقادِي الشديدِ بأنَّه لا يوجدُ هناك تعارضٌ بينَ الدِّين والحداثةِ فلم أسمعْ من قبل بأنَّ هناك متدينًا واحدًا قد اعترضَ على سكَّة قطارٍ، أو اعترضَ على صنعِ سيارةٍ جديدةٍ مفيدةٍ للمجتمعِ، بل إنَّ الدِّينَ الإسلاميَّ كانَ نهضةً إنسانيَّةً بكلِّ معانيهَا، ولم يكنْ كمَا يظنُّ أولئكَ المنحلُّون أبدًا.

لم يعدْ اسم سعد البازعي يغيبُ عن المشهدِ الثقافيِّ في المملكةِ أبدًا، فبمجرَّد سماعِ اسم د. سعد البازعي تنطلقُ الأسئلةُ تلو الأسئلةِ في سيلٍ جارفٍ حتَّى نكتشفَ ما لا نعرفُ، لا لكي نقولَ ما نعرفُ، وهذا هو ما يجعلُ الناقدَ متوقِّدًا ويكتبُ بشغفٍ، وذلك حتَّى يصلَ إلى الحقيقةِ المطلقةِ التي لا يعتريهَا خداعٌ أو زيفٌ وحتَّى يقومَ بحصارِ المعرفةِ وتمحيصهَا حتَّى تصبحَ المعنى الأخيرَ لسعد البازعي في صراعهِ الأبديِّ من أجلِ الكتابةِ والترجمةِ والمعرفةِ.