إذا كان أي عمل -وكل عمل- له ارتباط وثيق لا يتجاوز مَن أنجزه؛ فإنَّه -مع هذا الارتباط- يبقى مرهونًا بقيمته كما يقرره ابتداءً صاحبه.

ولكنْ مع ذلك؛ فهناك من البشر مَن يحب أنْ يعرف نتيجة عمله.

وهذه المعرفة تكاد تكون حقيقةً ثابتةً، يقر بها جميع من يعملون ويجتهدون في إنجاز أعمالهم، ولكنَّ هذه المعرفة تبقى معلَّقة بما يراه صاحب المصلحة، أو الجهة ذات العلاقة.

والواقع يبرهن على أنَّ هناك تفاوتًا كبيرًا بين العاملين، فمنهم المنجز والمحرز، ومنهم الخامل والبليد، ومنهم المثابر والجاد، ومنهم الهازل والمهرج، ومنهم الذكي والفطن، ومنهم الغبي والخامل، ومنهم السارق الذي يسرق جهد غيره بنسبته إليه.

والكَيِّسُ الفَطِنُ؛ مَن يتدبَّر أمره، ويحاكم تلك الأنواع ويختبرها، محاكمة كفاءة وعدل.

****

تقول إحدى القصص الهنديَّة أنَّ خادمًا سمعه الملك يومًا ما يقول: «إنَّ هذا العصر عصر ظالم، فأنَا أعمل طول اليوم، ثم لا أنقد إلَّا سبع روبيات في الشهر، والوزير الذي يركب السيَّارات، ويضيِّع وقته في الكسل يقبض ألفين من الروبيات».

فأراد الملك امتحانه باستطلاع أمر مسافر قادم على ديار بعيدة، فذهب الخادم ليسأله مرَّة عن اسم ذلك المسافر، وثانية ليسأل عن إقليمه، وثالثة ليسأل عن المكان الذي قَدِمَ منه، ورابعة ليسأل عن الوجهة التي يقصدها، وخامسة ليسأل عن مقصده التي يريد الحديث عنه، وسادسة، فسابعة، وثامنة، وتاسعة ليسأل عن غرضه، وعمَّن يلقاه، وعن موعد اللقاء ومكانه، إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا يذكرها إلَّا إذا أمليت عليه.

ثم، بعث الملك بالوزير مستطلعًا عن أمر ذلك القادم، فعاد إليه بالخبر كله في لحظة قصيرة، بأجمل ما علم في مقال وجيز، وقول مسنود.

حينها، استدار الملك إلى خادمه، وقال له: «أرأيت أنْ مَا كلَّفك تسع رحلات مضنية، وخمس ساعات من إضاعة الوقت، قد كلَّف الوزير نصف ساعة، ورحلة واحدة؟ فلعلَّك تتعلَّم الآن لماذا تقبض سبع روبيات في الشهر ويقبض الوزير ألفين».

يعلِّق أحدهم: من السهل أنْ يُقال إنَّ من الوزراء من يخطئ خطأ الخادم، ومن الخدم من يصيب إصابة الوزير؛ ولكنَّ الحقيقة الباقية بعد هذا تقول: إنَّ من الناس مَن يعمل في رحلة واحدة، ونصف ساعة ما يعمله غيره في تسع رحلات وخمس ساعات، وإنَّ الظلم -كل الظلم- أنْ يتساوى هذا وذاك.