لا تختلفُ عاداتُ ينبع في رمضانَ قديمًا عن أيِّ مدينةٍ أُخرى في الحجازِ؛ لتشابهِ عاداتِهَا وتقاليدِهَا منذُ العهودِ الماضيةِ، حيث يغلبُ عليهَا العاداتُ والطقوسُ الرمضانيَّة المختلفةُ، والتي كانت دارجةً بين الناسِ في تلك الأزمنةِ، وربما تكون من عهدِ الفاطميِّين والمماليك إلى العثمانيِّين كما كانت موجودةً بعضٌ من هذه العاداتِ إلى عهدٍ قريبٍ قبل الخمسين والستين سنةً الماضيةِ، ففي ينبع تعتمدُ سفرةُ رمضانَ على وجباتِ الشهرِ الكريمِ من كلِّ عام مثالًا في الإفطارِ، يبدأ الصائمُون إفطارَهم بالتمرِ والماءِ، وبعدَ ذلك تأدية صلاةِ المغربِ، ومن ثمَّ العودة لتكملةِ إفطارِهم بعدَ أنْ ذهبَ الظمأُ وابتلَّت العروقُ تأتي الشوربةُ الحبُّ مع اللَّحمِ الطَّريِّ الضَّاني الحريِّ كوجبةٍ رئيسةٍ في رمضانَ، وكذلك المقليَّة (الفلافل) واللقيمة واللحوح والكنافة على الفحمِ، وهذه أهمُّ الأكلاتِ الشعبيَّةِ المعمولِ بهَا، بالإضافةِ إلى السوبيا، وعصير قمر الدِّين.

أمَّا السحورُ بالنسبةِ لأهالِي ينبع الأرز والسَّمك المقلي، أو السمك المسلوق، مع قليلٍ من التوابلِ والملحِ، وذلك لعدمِ الإحساسِ بالضمأ طيلةَ النهارِ. وتنتعشُ الأسواقُ الشعبيَّةُ في شهرِ رمضانَ في بيعِ بعضٍ من هذهِ الأكلاتِ، أمَّا في ينبع النخل قديمًا كانَ إفطارهم يعتمدُ على شوربةِ الدخن والدشيشة والمخروطة والمرقوق، وفي فترة السحورِ الأغلب رز ولحم.

أمَّا حاليًّا -والحمد لله- في عهدِ الازدهارِ في المعيشةِ فقد زادَ الخيرُ، وتنوَّعت الأكلاتُ، وتشابهت مثل باقِي مناطقِ المملكةِ.

وكانَ أهالي ينبع قديمًا يحبُّون السَّمر والتَّرفيه عن أنفسهم، وتبدأ سهرتهم بعدَ صلاةِ العشاءِ والتَّراويح حتَّى منتصفِ الليلِ، ويجتمعُون ويتسامرُون بقصصِ البطولاتِ التاريخيَّةِ ويلقيهَا أحدُ المتمكِّنين في سردِ قصصِ الرسولِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وقصصِ الصحابةِ والتَّابعين وقصصِ عنتر وقيس والزير سالم، ويذهبُ البعضُ إلى إقامة بعض المسابقات المتنوِّعة، وما يُسمَّى الغبواتِ والألغازِ التي كانتْ تُقال كقصيدةٍ ويطلب فكُّ خيوطِ هذا اللغزِ أو الغبوة، وإعطاء الحلِّ لها. وبعضُ الشَّباب يلعبُون الألعابَ الشعبيَّة الدارجةِ في تلك الأيامِ مثل ما يُسمَّى الدراقي والمعكارة والسَرتْ والمراصيع والقُبْ والطيري والضاع والدندراح، فيما البناتُ الصغيراتُ لهنَّ ألعابهنَّ مثل البربر والحِلْ والضاع والحبلة، ولم تندثرْ تلكَ الألعابُ إلَّا في السنواتِ الأربعين الأخيرةِ بعد دخولِ وسائلِ الترفيهِ الحديثةِ والمتنوعةِ، ومن عاداتِ رمضانَ أيضًا هناك المسحر، والذي ينادِي بدخولِ موعدِ السحورِ بطريقةٍ إنشاديَّةٍ جميلةٍ.

وفي نهايةِ رمضانَ أو الأسبوع الأخير منهُ يُقام ما يُسمَّى «الوداع»، وهو وداعُ شهرِ رمضانَ، وله غناءٌ برفقة شيخٍ مختصٍ ويردِّدون معهُ بشكلٍ جماعيٍّ ما يقولهُ الشيخُ مثالًا الوداع الوداع يا شهرَ رمضانَ... الوداع الوداع يا شهرَ الصِّيام، وفي الليلةِ نفسها يتناولُ الصائمُون وقتَ السحورِ أكلًا خفيفًا، وهو مَا يُسمَّى «سحور اليتيمة».

وهناكَ عاداتٌ شبيهةٌ بالقرقيعان في الخليجِ، وهي مختصةٌ للأطفالِ. ففي آخرِ جمعةٍ من رمضانَ يعلنُون جمعَ التمرِ المتبقِي في البيوتِ من تمرِ رمضانَ من أجلِ الأيتامِ والأراملِ والفقراءِ وتعتبرُ حملة لجمعِ التمورِ ويُقال لهَا (تمر اليتامى)، ويستعينُون بالأطفالِ المتطوِّعين قبلَ صلاةِ آخر جمعةٍ في رمضانَ وينشدُون:

اعطونَا تمرا يا تمرا

الله يرحم والديكم

ووالدين المسلمين

آمين أجمعين

وبعد صلاةِ الجمعةِ يقومُون بتوزيعِ ما جمعُوه من التمورِ على بيوتِ الفقراءِ والأيتامِ، ومن شقاوةِ الأطفالِ في تلك الفترةِ في أنَّ البيتَ الذي لا يتجاوبُ معهم، ولا يفتح بابهُ يقوم الأطفالُ بإنشادِ:

كبريته يا كبريته

ست البيت عفريته

أما كتاب ولا جواب

ولا نكسر هذا الباب

@atifalgady