الضغوطات تزيد والدعم الدولي ينهار وأمريكا تخذلها.. إسرائيل في عزلتها الدولية دون صديق

لأول مرة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة ينجح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في استشعار المسؤولية الملقاة على عاتقه في استتباب الأمن العالمي، وذلك بإقرار مشروع لوقف إطلاق النار بشكل فوري تمهيدًا لإنهاء الحرب الغاشمة على القطاع الجريح، التي أدت إلى استشهاد ما يزيد على 30 ألف إنسان.

مشروع القرار الذي صدر الاثنين الماضي حمل دلالة أخرى أهم، هي فقدان الاحتلال الإسرائيلي المتزايد للدعم الدولي الذي حصل عليه بعد أحداث "طوفان الأقصى"، وخسارته ثقة الولايات المتحدة، وزيادة عزلته الدولية، وتحميله مسؤولية ما وصل إليه قطاع غزة من كوارث وأزمات إنسانية غير مسبوقة من قِبل أطراف دولية لطالما كانت حليفة له.

إحباط إسرائيلي وتوبيخ أمريكي

ويمكن القول إن أكثر ما يحبط تل أبيب ويثير توترها هو التوبيخ الأمريكي لها على استمرار حملتها العسكرية، وإصرارها على الاقتحام البري لرفح التي تعج بنحو مليون ونصف المليون نازح، وعرقلتها نفاذ المساعدات الإنسانية، وهو ما ظهر جليًّا في امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن. وعلى الرغم من امتناع واشنطن عن التصويت إلا أنها تركت مشروع قرار وقف إطلاق النار يمرّ ويصبح واقعًا للمرة الأولى.

وتجلى الإحباط الإسرائيلي سريعًا؛ إذ ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة وفد إسرائيلي إلى واشنطن، كان مزمعًا أن يناقش مع نظيره الأمريكي الاجتياح البري لرفح. كما اتهم بيان صادر عن مكتب "نتنياهو" الولايات المتحدة بالتخلي عن موقفها السابق الذي ربط إعلان وقف إطلاق النار بإطلاق سراح الرهائن.

خلاف أمريكي-إسرائيلي متسع

ولم تكن تلك هي الصورة الوحيدة للتوبيخ الأمريكي لربيبتها؛ فقد سبق أن حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل من فقدان الدعم في جميع أنحاء العالم بسبب حملة القصف العسكري العشوائي في غزة، وارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين.

وصرح "بايدن" حينها في فعالية حزبية في واشنطن: "على (بيبي) اتخاذ قرار صعب. لقد بدؤوا يفقدون الدعم بسبب القصف العشوائي الذي يحدث". مضيفًا: "هذه هي أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل، وهي حكومة لا تريد (حل الدولتين)، وعلى نتنياهو أن يغير هذه الحكومة". مشيرًا إلى أنها حكومة بتركيبتها الحالية تجعل الأمور صعبة، وأنه يتعين تغييرها لإيجاد حل طويل الأمد للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

وشدد "بايدن" على أن إسرائيل لا يمكنها أن تقول "لا" في المستقبل لقيام دولة فلسطينية.

وعلى خطى "بايدن" سار الرئيس السابق والمرشح الرئاسي المحتمل دونالد ترامب، الذي صرح هو الآخر مؤخرًا بأن تل أبيب تفقد "الكثير من التأييد العالمي" بسبب حرب غزة، معربًا عن قلقه بشأن الانطباع أو الصورة العامة التي تخلفها الحرب التي حوّلت فيها الضربات الإسرائيلية قطاع غزة في معظمه إلى أنقاض.

تصريحا الرئيس الأمريكي الحالي والسابق، اللذين من المتوقع أن يتواجها في الانتخابات الأمريكية نهاية العام الحالي، حملا دلالة مهمة حول اتساع هوة الخلاف بين واشنطن وتل أبيب، ونفاد صبر الولايات المتحدة على حكومة "نتنياهو"، وما تشعر به من إحراج عالمي من جراء أفعالها الشنيعة في غزة، وإصرارها على اجتياح رفح.

وعلى ما يبدو، فإن التصريحات الأمريكية من كبار صناع القرار في الولايات المتحدة كانت مدفوعة بعزلة باتت واشنطن تشعر بها هي الأخرى؛ فقد نقل تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي رفيع اعترافه بتصاعد الشكاوى والانتقادات من أصدقاء بلده من جميع أنحاء العالم، حتى على المستوى المحلي؛ بسبب تدهور الأوضاع في غزة.

ولفت التقرير إلى العزلة التي تشعر بها الولايات المتحدة في المحافل الدولية؛ إذ تجد نفسها وحيدة تدافع عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في القطاع. كما أشار إلى أن شركاء وحلفاء بلاده يشعرون بإحباط متزايد بسبب عدم استخدام واشنطن النفوذ الكافي لحماية الفلسطينيين.

وسرعان ما التقطت الصحافة البريطانية اتساع الهوة بين واشنطن وتل أبيب؛ إذ قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إن تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لصالح المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة للمرة الأولى منذ بدء الحرب في غزة دفع إسرائيل إلى عزلة شبه كاملة على المسرح العالمي، وذلك بعد أن أسقطت الولايات المتحدة تهديدها باستخدام حق النقض، وامتنعت بدلاً من ذلك عن التصويت.

الدعم الدولي يتلاشى

تلاشي الدعم الدولي من أطراف أخرى كان ملحوظًا بشدة في الآونة الأخيرة؛ فقد قررت دول عُرفت بدعم إسرائيل، مثل كندا وإيطاليا وإسبانيا، وقف تصدير الأسلحة إلى دولة الاحتلال على خلفية الانتهاكات في غزة، فيما أنهت شركة "إيتوتشو" اليابانية شراكتها مع شركة تصنيع الأسلحة الإسرائيلية "إلبيت سيستمز". كما دعت أستراليا ونيوزيلاندا برفقة كندا في بيان مشترك مطلع الشهر إلى وقف فوري لإطلاق النار، فيما ذهب عدد من الدول إلى أبعد من ذلك؛ إذ تستعد إسبانيا وإيرلندا ومالطا وسلوفينيا إلى الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وهو ما يمكن أن يُشكّل ضربة مدوية لحكومة "نتنياهو" اليمينية المتطرفة.

وأفردت الصحف العبرية عددًا من المقالات لتسليط الضوء على فقدان بلادهم الدعم الدولي؛ إذ قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في مقال نشرته للكاتب إيتمار ايشنر: "إن المسؤولين في إسرائيل يعترفون بأن مظاهر الدعم التي تلقتها تل أبيب في 7 أكتوبر قد اختفت تمامًا، وبدلاً من ذلك بدأ التركيز على الجانب الفلسطيني".

ولفت الكاتب إلى أن هناك صورة قاسية للغاية تتعلق بإسرائيل في وسائل الإعلام الأمريكية، وتتبنى بعض الصحف مواقف انتقادية تجاه تل أبيب، وتطالب بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة.

أما صحيفة "جيروسالم بوست" فقد نشرت مقالاً للباحثة والأكاديمية الإسرائيلية سوزان هاتيس رولف بعنوان "عزلة إسرائيل تتزايد.. والحلول ساذجة في ظل الحكومة الحالية"، أشارت فيه إلى فقدان بلادها (إسرائيل) الدعم العالمي. ولفتت الكاتبة إلى أن الأسابيع اللاحقة لهجوم السابع من أكتوبر حملت دعمًا ملحوظًا من زعماء العالم لدولة الاحتلال إلا أن ذلك انقلب عليهم سريعًا بعد انتهاكاتهم المستمرة في غزة.

واعتبرت "رولف" أن كل "ما تحتاج إليه إسرائيل حتى تتمكن من عكس عزلتها المتنامية هو تغيير أساسي في العقلية، وهو التغيير الذي لا يمكن أن ينجم إلا عبر تغيير الحكومة الإسرائيلية"، بحسب تعبيرها.

Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2024-03-27T23:35:19Z dg43tfdfdgfd